التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من الشعر الشعبي ـ سالفة نورة الحوشان

كثيراً ما يختلف الرواة والمتحدثون في اسم شاعر من الشعراء أو في بلده أو حتى في شعره واخباره أو في اسم شاعرة من الشاعرات أو في بلدها أو حتى في شعرها واخبارها بما فيهم شعراء وشاعرات الرعيل الاول شعراء وشاعرات الماضي الذين ابدعوا في الوصف وتغنوا باشعارهم الجميلة وعاطفة صادقة تحكي مدى الحب العميق للمنطقة التي يعيشون فيها وأهلها ومدى تعلقهم بموطنهم وحنينهم إلى الاطلال والمزارع ويبثون اليها آلامهم واحزانهم ويستشفون من لواعج الوجد بحنيهم اليها..
والشاعرة نورة الحوشان من أسرة الحوشان سكان بلدة (عين الصوينع) احد مراكز منطقة "السر" ولدت ونشأت فيها حضرية مستقرة لم تعرف البداوة، عاشت فيها طفولتها المبكرة ولها فيها ذكريات مرت عبر خيالها كالأحلام.. أجادت في تنظيم الشعر بخيطها الخاص ولم يعرف لها شعر قبل زواجها ورغم قلة شعرها ومحدوديته الا انها اخذت نصيبها من الشهرة.. فقد تزوجت هذه الشاعرة في ريعان شبابها.. تزوجها عبود بن سويلم من أهل بلدة (نفي) وكان شاعراً مجيدا، واخوه محمد رئيساً لمركز نفي في ذلك الوقت.. فقد عاشت معه محبة له وكان له بئر زرعها.. فطلقها في حالة غضب وندم بعدها على طلاقها بعد أن عاد اليه رشده فأخذ يقول الشعر في حبها من ذلك بقوله:
يا من لقللب حب نوره تغشلاه
يومي به أوماي الهوا بالشراع
إن نمت عندي وان تنبهت ما القاه
ما اسج عن طرياه لو كان واع
قلبي دوى به داه ما يسمع انداه
إلى سمع من ينهاه طقه جلاع
عليك يا اللي كن واضح ثناياه
يردى قنوف يوم هل النواع
يا من يعرف السحر هووين مجناه
هو حب والاولف والا انهزاع
وتزوجها من بعده خالد بن محمد بن سويلم ابن أخ زوجها السابق (عبود) وقد وفقه الله بتلك الزوجة الصالحة التي تحلّت بصفات فاضلة حميدة وسكنت في قلب زوجها الذي بادلها الحب والمشاعر وعاشا حياة هانئة مستقرة ومع هذا كله وما يعيشان فيه من ود وتفاهم الا ان عمه (عبود) ينتظر منه أن يطلقها غير انه لم يفعل شيئاً وبقيت معه.. وذات يوم خرجت زوجته من بيت زوجها الأخير ذاهبة إلى زرعه فقابلها في طريقها عمه زوجها الاول فحرجت من مقابلته واستحيت من السلام عليه وفي ذلك قالت:
ياعين هلي صافي الدمع هليه
وإلى قضى صافيه هاتي سريبه
ياعين شوفي زرع خلك وراعيه
هذي معاويده وهذي قليبه
امنول خلي قريب ونرجيه
واليوم جيتهم علينا تعيبه
يمرني بالدرب مقدر أحاكيه
مصيبة ياكبرها من مصيبه
اللي يبينا عيت النفس تبغيه
واللي نبي عيا البخت لا يجيبه
وقد قالت الشاعرة نورة الحوشان هذه الأبيات الخمسة رداً على شعر زوجها الاول ولا سيما وزرع زوجها الأخير قريب من زرع عمه عبود لذلك فهي تشاهد بعينها زرعه وبئره ومعاويده وتراه كلما خرجت لتذهب لزرع زوجها الأخير.

=========== 

رواية أخرى :

كانت الشاعرة نوره الحوشان تعيش في بلدها ، عين الصوينع بين القصيم والدوادمي مستورة مع زوجها عبود بن علي بن سويلم ، ولكن بعد مضي مدة من الزمن وانجابها ولدين وبنت وقع بينهما خلاف أدى إلى طلاقها طلاقاً لا رجعة فيه ، بسبب عصبية زوجها ، فندم ندما شديدا بسبب استعجاله بطلاقها ، ثم إن زوجها ساءت أموره في مزرعته التي يشتغل فيها ، وتعطلت مصالحه ، وأصابه الهيام على طليقته ، وكثرت الهواجيس والانزعاج والهموم ، وخشي أن يتزوجها أحد غيره ، نظرا لكثرة خطابها ، فهي أمرأة على قدر عال من الجمال والأخلاق ، ومن عائلة محافظة وقبيلة مشهورة ، وكانت ترفض في كل مرة من يتقدم للزواج منها ، و بعد أن طلقها زوجها ( أبو حوشان ) قال قصيدة :

يامن لقلب حب نورة تغشلاه = يومي به يوماي الهوى للشراعي
ياللي تعرف الحب هو ويش معناه = هو خلف ولا ولف ولا انتزاعي
وأيضاً قال :
أمس الضحى عديت راس الجذيبه = لا عاد مرقاها حضر كل ما غاب
والدمع من عيني تزايد صبيبه = صبيب محناب تقطاه سكاب
انحب نحيب الورق وما جاب أجيبه = وأقنب كما ذيب تعالى بمرقاب
إن مت يا صالح تراني صويبه = تراي عند منقش الكف بخضاب
زاوي حشاه من المتون اللبيبه = مستقطع بالزين عن ترع الارقاب

وعندما كثر على نورة الخطاب وأبتليت برجل أصر على دوام محادثة ، أولادها وملاطفتهم عله يكسب تعاطف نورة وأثقل عليها هذا الأمر قالت :
قلبي يحب صويحبي مير يكوين = مكون يبين الجرح به قبل دمه
أبغيه لاهو يطبخن ثم يشوين = يبرد لهيب القلب قربه ولمه
يا حلو قولت هيش ياويش تبغين = أحلى من الورع المغاغي على امه
ثم بعد سماعه للأبيات عف عنها ، وابتعد زوجها عبود لما يأس ، وعرف أنها لن ترجع له إ بزواجها من زوج آخر ، فطلب من ابن أخيه خالد ابن محمد السويلم بأن يتزوجها مؤقتا حتى يحللها له ، وبالفعل تزوجها ابن أخيه ، لكنه أمسك فيها ، ورغب بها ، ولم يطلقها وهي لا تريده ولكن على أمل ان يطلقها ، وأسكنها بمزرعة قرب مزرعة عمه (زوجها السابق) وذات يوم من الأيام كانت تسير بصحبة أولادها ..حوشان وسارة ، ومرت على طريق يمر بمزرعة طليقها وقد رأته فوقفت على ناصية المزرعة وانطلق الأولاد للسلام على أبيهم، وبقيت تنتظرهم حتى رجعوا ثم واصلت مسيرها ، وقد تذكرت أيامها مع زوجها وعلاقتهما وماكان يسودها من حب ومودة وصفا وتمنت الرجوع له ، وأخذها الحنين لمحلها الذي عاشت فيه فترة طويلة مع زوجها الاول عبود بن سويلم ، وقد صورت هذه الأحداث والمواقف بقصيدة خالدة ، تصف المعاناة وصف دقيق لأنه كلما لاقاها في الطريق وسلم لم تستطع أن ترد عليه فقالت :



ياعين هلي صافي الدمع هليه :: وإلىا انقضى صافيه  هلي سريبه
ياعين شوفي زرع خلك وراعيه ::هذي معاويده وهذي قليبه
امنول خلي قريب ونرجيه :: واليوم جيتهم علينا صعيبه
يمرني بالدرب مقدر أحاكيه :: مصيبة ياكبرها من مصيبه
اللي يبينا عيت النفس تبغيه :: واللي نبي عجز البخت لا يجيبه

   وهكذا بقي ألم الفراق في لحظة لم تكن في الحسبان وقوعها ، لكنها وقعت وصار ما صار ، وجاءت هذه القصيدة كإعصار عصف بمشاعرها فقالت قصيدتها المؤثرة ، رغم قلة أبياتها لكنها كانت من مشاعر غاية في الصدق ومعاناة ، فرضت نفسها وحلت بألمها وكانت قصيدة راقية في ألفاظها متناسقة في عرضها، موجزة في كلماتها، شاملة في أغراضها، مهذبة في معانيها درساً من دروس الحياة وواقعاً يحق أن يكتب بخط من الوضوح لكل أسرة تقدر مشاعر المودة لتحافظ عليها لأن المشاعر قد تختفي لكنها لا تموت.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لامية أبي طالب في مدح رسول الله

عقوبات تعجل في الدنيا